النواب الأربعة:
قال المحدث القمي: (من وظائف الزائرين للعتبات المقدسة في العراق أثناء إقامتهم في مدينة الكاظمين الطيبة هو التوجه إلى بغداد لزيارة النواب الأربعة الذين نابوا عن الحجة المنتظر إمام العصر صلوات الله عليه، وزيارة قبورهم لا تتطلب من الزائر بذل كثير من الجهد فهي في مدينة بغداد غير بعيد عن الوافدين من الزوار ولو كانت منتشرة في أقصى البلاد لكان يحق أن تشد إليها الرحال وتطوى في سبيلها المسافات ويتحمل متاعب السفر والشدائد لنيل ما في زيارة كل منها من الأجر العظيم والثواب الجزيل...).
وصفة زيارتهم كما ذكرها الطوسي في (التهذيب) والسيد ابن طاووس و(مصباح الزائر) مسنداً إلى أبي القاسم الحسين بن روح (ره) هو أن يسلم على رسول الله وعلي (عليه السَّلام) وخديجة الكبرى وفاطمة ثم الأئمة واحداً بعد واحد ثم السَّلام عليه باسمه واسم أبيه ثم يقول: (أشهد أنك باب المولى أديت عنه وأديت إليه ما خالفته ولا خالفت عليه، قمت خاصاً وانصرفت سابقاً جئتك عارفاً بالحق الذي أنت عليه وإنك ما خنت في تأدية السفارة، سلام عليك من باب ما أوسعه ومن سفير ما آمنك ومن ثقة ما أمليك، أشهد أن الله اختصك بنوره حتى عاينت الشخص وأديت عنه وأديت إليه ثم السَّلام على رسول الله والأئمة من بعده، جئتك مخلصاً بتوحيد الله وموالاة أوليائه والبراءة من أعدائهم ومن الذين خالفوك يا حجة المولى وبك إليهم توجهي وبهم إلى الله توسلي) ثم تدعو بما أحببت.
النائب الأول - عثمان بن سعيد الأسدي السمان:
في (المراقد 2/61): (مرقده في مدينة السَّلام بغداد بجانب الرصافة قرب نهر دجلة بالجانب الغربي من سوق الميدان قبلة المسجد المعروف قديماً بمسجد الدرب، وفي (نزهة الحرمين) للصدر (الشيخ عثمان بن سعيد العمري من أولاد عمار بن ياسر) ويقع في سوق الميدان.
وعن الشيخ الطوسي: (كنا ندخل إليه نزوره مشاهرة. من وقت دخولي إلى بغداد في سنة 408 هـ إلى نيف وثلاثين وأربعمائة... وعمل الرئيس أبو منصور ابن محمد فرج عليه صندوقاً ويتبرك جيران المحلة بزيارته.
وفي (المراقد): (وقفت على قبره سنة 1387 هـ قد كتب على بابه في سوق الميدان: هذا مسجد نائب الإمام (عليه السَّلام) عثمان بن سعيد العمري العسكري بتاريخ سنة 1348 هـ وكان على قبره قبة صغيرة...).
وكانت الشيعة في الأقطار النائية تحمل الحقوق الشرعية في أموالها من ذهب وفضة إلى الإمام أبي محمد الحسن العسكري (عليه السَّلام) في ظروف السمن وزقاقه وترسلها إليه بواسطة العمري عثمان بن سعيد السمان، وذلك خوفاً من السلطة العباسية الجائرة.
قال الإمام الهادي (عليه السَّلام): (هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعني يقوله وما أداه إليكم فعني يؤديه).
قال العسكري: (هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات).
قال سيد مشايخنا الأصفهاني في أحسن الوديعة في مزارات بغداد، (ومنها) قبر أبي عمرو عثمان بن سعيد العمري بفتح العين المهملة وسكون الميم وكسر الراء وبعدها ياء نسبة إلى جده عمرو وهذا المولى الجليل قد نصبه أولاً مولانا علي النقي ثم ابنه الحسن العسكري فتولى القيام بأُمورهما حال حياتهما، ثم بعد ذلك قام بأمر مولانا الحجة (عليه السَّلام)، وكان توقيعاته وأجوبة المسائل وحل المشاكل تخرج على يديه، توفي (ره) في حدود سنة 257 هـ ودفن في داره الواقعة مما يلي سوق الميدان خلف دائرة البريد وقد جددت عمارته في هذه السنة شيعة بغداد، وقال شيخنا الطوسي المتوفى سنة 460 هـ كما في (الخلاصة) في ص232 من (كتاب الغيبة) ص8 المطبوع في تبريز على الحجر سنة 1323 هـ، قال أبو نصر هبة الله بن محمد: وقبر عثمان بن سعيد في الجانب الغربي من مدينة السَّلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف في الدرب بدرب جبلة في مسجد الدرب يمنة الداخل إليه، والقبر في نفس قبلة المسجد رحمه الله، قال محمد بن الحسن مصنف هذا الكتاب رأيت قبره في الموضع الذي ذكره وكان قد بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة، انتهى محل الحاجة.
أقول: قد زرنا هذا القبر الأنور والمرقد المطهر فقد صار وسيعاً في الجملة إن قلت إنك ذكرت هناك أن قبر عثمان بن سعيد في الجانب الشرقي من بغداد وعبارة الشيخ الطوسي المذكورة نص في أن قبره في الجانب الغربي فكيف الجمع. قلت: قد ذكرنا أن للجانب الشرقي أيضاً جانبين يعبر من القديم إلى اليوم عن أحدهما بالجانب الغربي وهو حوالي شارع الميدان، ويعبر عنه اليوم بباب المعظم ويعبر عن الجانب الآخر من جانبي شرقي بغداد بالجانب الشرقي ويعبر عنه اليوم بباب الشيخ وبباب الشرجي، نعم إذا قيل الجانب الغربي فالمراد عند الإطلاق جانب الكرخ وأما إذا قيد كما في عبارة الشيخ الطوسي فالمراد به الجانب الشرقي المعروف بالرصافة، وإن أبيت عن قبول ما ذكرناه وتصديق ما حررناه فهناك نص عبارة ياقوت فإنه قال في ص211 س10 في ج5 في معجم البلدان: شارع الميدان من محال بغداد بالجانب الشرقي خارج الرصافة وكان شارعاً ماداً من الشماسية إلى سوق الثلاثاء وفيه قصر أم حبيب بنت الرشيد، انتهى، وفي ص291 ج/5 من المعجم عين الشماسية وفي هذه الناحية في ص98 ج7 من المعجم ذكر أن قصر أم حبيب في محال الجانب الشرقي من بغداد مشرف على شارع الميدان إلخ، ولم يسبقنا فيما ذكرناه على ما نعلم وذلك من فضل الله تعالى وبركات إمام العصر (عليه السَّلام) والحمد لله، انتهى كلامه.
النائب الثاني - الخلاني وهو أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد الأسدي: المعروف بالخلاني توفي ببغداد 30/ج1/305 هـ.
وفي (المراقد 1/278)، مرقده ببغداد جانب الرصافة بالشارع المؤدي إلى باب الكوفة قديماً والآن يقع في محلة الخلاني نسبة إليه وإلى مرقده الطاهر وهو أحد المراكز الشيعية في بغداد.
وفي الهامش: وقد جدد مرقده وجامعه سنة 1349 هـ وإن تاريخ بنائه:
معـــــــبد شـــــــرفه الله بــــــــقبر خد فيه نــــــائب المـــــهدي محمد
شـــــاده زيــــــدان فـــي جد ومال وأخـــــوه الــــقاسم الشهم الممجد
عــــــمّراه عــــــمّر الرحمن قصرا لهـــــما فـــــي جــــنة الخلد مخلد
مـــــذ أتـــــــماه بــــــناءً أرخــــاه (معبد أُســــــس فـي ذكرى محمد)
وفيها مكتبة عامرة أُسست 1394 هـ باسم مكتبة الشيخ الخلاني العامة تدار برعاية السيد محمد الحيدري.
قال حرز الدين (إنه لقب بالخلاني نسبة لبيعة الخل حيث كان يكتسب له تستراً بالكسب عن ضغط بعض المبغضين من أهل الخلاف كما كان الشيخ والده عثمان بن سعيد يبيع السمن حتى عرف بالسمان).
وكان الخلاني نائباً عن الإمام الهادي (عليه السَّلام) والعسكري (عليه السَّلام):
قال السيد الأصفهاني: (ومنها قبر الشيخ الثقة الجليل أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد، ولما مات أبوه عثمان المشار إليه قام ابنه أبو جعفر المنوه باسمه مقامه وناب في الأمور مثابه، وكانت مدة نيابته قريباً من خمسين سنة وتوفي في آخر جمادى الأولى سنة 305 أو سنة 304 هـ على الاختلاف المذكور في ص238 من كتاب (الغيبة) لشيخنا الطوسي، وفي تلك الصفحة من السطر الأخير، قال الشيخ الطوسي، قال أبو نصر هبة الله: إن قبر أبي جعفر محمد بن عثمان جد والدته في شارع باب الكوفة من الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه وهو في وسط الصحراء قدس سره، انتهى.
أقول: ويعرف بالشيخ الخلاني عند أهل بغداد وقبره كما وصف وهو واقع في أواخر بغداد الشرقية على طريق سلمان (ره) وأطرافه لم تكن معمورة قبلاً، وبعد الاحتلال صارت معمورة قليلاً، وتأخذ في الزيادة يوماً فيوماً عمارة أطرافه وله صحن كبير زرته مراراً عديدة، تقيم الشيعة في صحنه العزاء للحسين (عليه السَّلام) في أيام عاشوراء، وقيل في وجه تسمية الخلاني وجوهاً أوجههما ما سمعته عن بعضها الأجلاء أنه قال: لما حضرته الوفاة أرادوا نقله عند أبيه ودفنه هناك، فقال خلوني في هذا المكان، فاشتهر بالخلاني أو أن الحجّة (عليه السَّلام) خلاه بعد أبيه نائباً عنه، فقال لشيعته (عليه السَّلام)، خلاني أي الحجة وسمعنا غير ذلك والله العالم، وفي ص227 من (فلك النجاة) ومحمد بن عثمان المعروف بالخلاني في الجانب الشرقي من بغداد، أقول: يعني من الجانب الشرقي من شرق بغداد كما لا يخفى بعد ملاحظة ما ذكرناه، انتهى. والمحلة التي دفن فيها تعرف اليوم بباب الشيخ.
الثالث - الحسين بن روح النوبختي المتوفى /326 هـ:
في (المراقد 1/249): (مرقده: ببغداد جانب الرصافة مشهور معروف مشيد عامر عليه قبة صغيرة وفوق دكة قبره شباك مجلل يزدحم عليه الزائرون المتعبدون، إلى جنب قبره جنوباً مسجد صغير تقام فيه الصَّلاة جماعة من بعض أئمة علماء الشيعة الإمامية).
... يعرف موضع قبره في سوق الشورجة التجاري ببغداد في زقاق غير نافذ ويعد مرقده اليوم من المراكز الشيعية في بغداد.
وكان النوبختي من أوثق الناس وأعظمهم وأدهاهم وأعرفهم بالأمور مبجلاً عند الخاصة والعامة وكانت العامة تعظمه وترى فيه الصدق والمعروف ولين الجانب وعدم المعاندة.
وكانت سفارته بعد وفاة الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري المعروف بالشيخ الخلاني المتوفى ببغداد سنة 305 هـ. بوصية منه لوجوه الشيعة قائلاً: (هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عليه السَّلام)، والوكيل والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم وعولوا عليه في مهماتكم فبذلك أُمرت وقد بلغت).
قال السيد الأصفهاني: (ومنها قبر الشيخ الجليل الثقة الأمين الحسين بن روح بن بحر بن النوبخت من بني نوبخت وهم طائفة جليلة من الإمامية وأغلبهم كانوا من متكلمي الشيعة وفضلائهم وكانوا من كبار بيوتات العلم في بغداد.
وقال شيخنا الطوسي (ره) في ص252. من كتابه (الغيبة): وأخبرني الحسين بن إبراهيم عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري (ره) أن قبر أبي القاسم الحسين بن روح في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى درب الآخر وإلى قنطرة الشوك (رضي الله عنه)، قال وقال لي أبو نصر: مات أبو القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) في شعبان ست وعشرين وثلاثمائة، وقد رويت عنه أخبار كثيرة، انتهى ما أردنا نقله.
وفي (فلك النجاة): والحسين بن روح في داره في سوق العطارين في الجانب الشرقي أقول: وتلك الدار حتى اليوم موجودة وفيها قبر الحسين بن روح (رض) واقع في محل منخفض عن الدار مظلم والدار واقعة في الطريق المرفوعة الكائنة على يمين من يدخل في وسط سوق العطارين من الجانب الشرقي، وهذه الأطراف كانت سابقاً معروفة بمحلة النوبختية وكانت فيها دورهم فبمرور الأيام والأزمنة خربت وتغيرت حتى صارت على هذه الحالة، ولم يبقَ سوى الدار المذكورة التي فيها الحسين بن روح المشار إليه ولا يخفى على من قرأ سير التواريخ والتراجم أن بغداد الشرقية لما بنيت صارت بعد برهة قليلة من الزمان مقر الخلفاء والعلماء من الفريقين ولا سيما من كانت له صحبة مع الخلفاء أو منصب فإن بني نوبخت كانوا وجهاء بغداد ورؤساؤها، انتهى كلامه.
الرابع - أبو الحسن علي بن محمد السمري المتوفى 15/شعبان/329.
في المراقد (مرقده ببغداد جانب الرصافة في سوق الهرج القديم قرب المستنصرية في الضفة اليسرى من نهر دجلة يقع قبره في حجرة بين السوق وبين المسجد المعروف بمسجد القبلانية وهو اليوم عامر عليه قبة يزوره المسلمون خصوصاً وفود الشيعة الإمامية فهو يعتبر من المراكز الشيعية في بغداد) انتهى. ولا يزال السوق يعرف بسوق الهرج اليوم.
قال السيد الأصفهاني: (ومنها قبر الشيخ الجليل الزاهد الثقة أبو الحسن علي بن محمد السمري، قام بأمر الحجة (عليه السَّلام) بعد مضي حسين بن روح لسبيله ولم يقم أحد من هؤلاء النواب بالنيابة إلا بنص عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر (عليه السَّلام) تدل على صدق مقالتهم وصحة نيابتهم، فلما حان رحيل أبي الحسن المشار إليه عن الدنيا وقرب أجله وانقطع عن الدنيا أمله قيل له: إلى من توصي فأخرج توقيعاً إليهم نسخته هكذا:
بسم الله الرحمن الرحيم: (يا علي بن محمد السمري، اسمع عظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ما جمع أمرك ولا توصي إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك منذ وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) وهذه النسخة رواها الشيخ في كتاب (الغيبة) عن الحسن بن أحمد، وعلى ما في البحار فيمن رآه (عليه السَّلام) بعد تلك الغيبة وأجاب عنه أصحابنا قدست أسرارهم بوجوه ذكرها النوري في ص285 من (جنة المأوى)، ولكن بعضها مرضى عندنا وما ذكره شيخنا المجلسي (ره) أقرب، قال (ره) في ج12 في ص142-4 من (البحار) بعد نقل الخبر عن (الاحتجاج) و(الكافي) بيان لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه (عليه السَّلام) إلى الشيعة على مثال السفراء، لئلا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه (عليه السَّلام) ويعلم، انتهى. هذا وقد توفي أبو الحسن السمري، المذكور في النصف من شعبان سنة 329 هـ كما في ص257 من كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي (ره) وأيضاً في الصفحة 258 من كتاب (الغيبة) المذكورة ما نصه:
(وأخبرني الحسين بن إبراهيم عن أبي العباس ابن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب، أن قبر أبي الحسن السمري (رض) من الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع باب المحول قريب من شاطئ نهر أبي عتاب وذكر أنه مات (رض) في سنة تسع وعشرين وثلاث مئة)، انتهى.
أقول: هذا الموضع معروف من سوق الهرج وعليه شباك من الخارج والقبر في المسجد مزار معروف، انتهى كلامه.
قال المحدث القمي: (من وظائف الزائرين للعتبات المقدسة في العراق أثناء إقامتهم في مدينة الكاظمين الطيبة هو التوجه إلى بغداد لزيارة النواب الأربعة الذين نابوا عن الحجة المنتظر إمام العصر صلوات الله عليه، وزيارة قبورهم لا تتطلب من الزائر بذل كثير من الجهد فهي في مدينة بغداد غير بعيد عن الوافدين من الزوار ولو كانت منتشرة في أقصى البلاد لكان يحق أن تشد إليها الرحال وتطوى في سبيلها المسافات ويتحمل متاعب السفر والشدائد لنيل ما في زيارة كل منها من الأجر العظيم والثواب الجزيل...).
وصفة زيارتهم كما ذكرها الطوسي في (التهذيب) والسيد ابن طاووس و(مصباح الزائر) مسنداً إلى أبي القاسم الحسين بن روح (ره) هو أن يسلم على رسول الله وعلي (عليه السَّلام) وخديجة الكبرى وفاطمة ثم الأئمة واحداً بعد واحد ثم السَّلام عليه باسمه واسم أبيه ثم يقول: (أشهد أنك باب المولى أديت عنه وأديت إليه ما خالفته ولا خالفت عليه، قمت خاصاً وانصرفت سابقاً جئتك عارفاً بالحق الذي أنت عليه وإنك ما خنت في تأدية السفارة، سلام عليك من باب ما أوسعه ومن سفير ما آمنك ومن ثقة ما أمليك، أشهد أن الله اختصك بنوره حتى عاينت الشخص وأديت عنه وأديت إليه ثم السَّلام على رسول الله والأئمة من بعده، جئتك مخلصاً بتوحيد الله وموالاة أوليائه والبراءة من أعدائهم ومن الذين خالفوك يا حجة المولى وبك إليهم توجهي وبهم إلى الله توسلي) ثم تدعو بما أحببت.
النائب الأول - عثمان بن سعيد الأسدي السمان:
في (المراقد 2/61): (مرقده في مدينة السَّلام بغداد بجانب الرصافة قرب نهر دجلة بالجانب الغربي من سوق الميدان قبلة المسجد المعروف قديماً بمسجد الدرب، وفي (نزهة الحرمين) للصدر (الشيخ عثمان بن سعيد العمري من أولاد عمار بن ياسر) ويقع في سوق الميدان.
وعن الشيخ الطوسي: (كنا ندخل إليه نزوره مشاهرة. من وقت دخولي إلى بغداد في سنة 408 هـ إلى نيف وثلاثين وأربعمائة... وعمل الرئيس أبو منصور ابن محمد فرج عليه صندوقاً ويتبرك جيران المحلة بزيارته.
وفي (المراقد): (وقفت على قبره سنة 1387 هـ قد كتب على بابه في سوق الميدان: هذا مسجد نائب الإمام (عليه السَّلام) عثمان بن سعيد العمري العسكري بتاريخ سنة 1348 هـ وكان على قبره قبة صغيرة...).
وكانت الشيعة في الأقطار النائية تحمل الحقوق الشرعية في أموالها من ذهب وفضة إلى الإمام أبي محمد الحسن العسكري (عليه السَّلام) في ظروف السمن وزقاقه وترسلها إليه بواسطة العمري عثمان بن سعيد السمان، وذلك خوفاً من السلطة العباسية الجائرة.
قال الإمام الهادي (عليه السَّلام): (هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعني يقوله وما أداه إليكم فعني يؤديه).
قال العسكري: (هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات).
قال سيد مشايخنا الأصفهاني في أحسن الوديعة في مزارات بغداد، (ومنها) قبر أبي عمرو عثمان بن سعيد العمري بفتح العين المهملة وسكون الميم وكسر الراء وبعدها ياء نسبة إلى جده عمرو وهذا المولى الجليل قد نصبه أولاً مولانا علي النقي ثم ابنه الحسن العسكري فتولى القيام بأُمورهما حال حياتهما، ثم بعد ذلك قام بأمر مولانا الحجة (عليه السَّلام)، وكان توقيعاته وأجوبة المسائل وحل المشاكل تخرج على يديه، توفي (ره) في حدود سنة 257 هـ ودفن في داره الواقعة مما يلي سوق الميدان خلف دائرة البريد وقد جددت عمارته في هذه السنة شيعة بغداد، وقال شيخنا الطوسي المتوفى سنة 460 هـ كما في (الخلاصة) في ص232 من (كتاب الغيبة) ص8 المطبوع في تبريز على الحجر سنة 1323 هـ، قال أبو نصر هبة الله بن محمد: وقبر عثمان بن سعيد في الجانب الغربي من مدينة السَّلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف في الدرب بدرب جبلة في مسجد الدرب يمنة الداخل إليه، والقبر في نفس قبلة المسجد رحمه الله، قال محمد بن الحسن مصنف هذا الكتاب رأيت قبره في الموضع الذي ذكره وكان قد بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة، انتهى محل الحاجة.
أقول: قد زرنا هذا القبر الأنور والمرقد المطهر فقد صار وسيعاً في الجملة إن قلت إنك ذكرت هناك أن قبر عثمان بن سعيد في الجانب الشرقي من بغداد وعبارة الشيخ الطوسي المذكورة نص في أن قبره في الجانب الغربي فكيف الجمع. قلت: قد ذكرنا أن للجانب الشرقي أيضاً جانبين يعبر من القديم إلى اليوم عن أحدهما بالجانب الغربي وهو حوالي شارع الميدان، ويعبر عنه اليوم بباب المعظم ويعبر عن الجانب الآخر من جانبي شرقي بغداد بالجانب الشرقي ويعبر عنه اليوم بباب الشيخ وبباب الشرجي، نعم إذا قيل الجانب الغربي فالمراد عند الإطلاق جانب الكرخ وأما إذا قيد كما في عبارة الشيخ الطوسي فالمراد به الجانب الشرقي المعروف بالرصافة، وإن أبيت عن قبول ما ذكرناه وتصديق ما حررناه فهناك نص عبارة ياقوت فإنه قال في ص211 س10 في ج5 في معجم البلدان: شارع الميدان من محال بغداد بالجانب الشرقي خارج الرصافة وكان شارعاً ماداً من الشماسية إلى سوق الثلاثاء وفيه قصر أم حبيب بنت الرشيد، انتهى، وفي ص291 ج/5 من المعجم عين الشماسية وفي هذه الناحية في ص98 ج7 من المعجم ذكر أن قصر أم حبيب في محال الجانب الشرقي من بغداد مشرف على شارع الميدان إلخ، ولم يسبقنا فيما ذكرناه على ما نعلم وذلك من فضل الله تعالى وبركات إمام العصر (عليه السَّلام) والحمد لله، انتهى كلامه.
النائب الثاني - الخلاني وهو أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد الأسدي: المعروف بالخلاني توفي ببغداد 30/ج1/305 هـ.
وفي (المراقد 1/278)، مرقده ببغداد جانب الرصافة بالشارع المؤدي إلى باب الكوفة قديماً والآن يقع في محلة الخلاني نسبة إليه وإلى مرقده الطاهر وهو أحد المراكز الشيعية في بغداد.
وفي الهامش: وقد جدد مرقده وجامعه سنة 1349 هـ وإن تاريخ بنائه:
معـــــــبد شـــــــرفه الله بــــــــقبر خد فيه نــــــائب المـــــهدي محمد
شـــــاده زيــــــدان فـــي جد ومال وأخـــــوه الــــقاسم الشهم الممجد
عــــــمّراه عــــــمّر الرحمن قصرا لهـــــما فـــــي جــــنة الخلد مخلد
مـــــذ أتـــــــماه بــــــناءً أرخــــاه (معبد أُســــــس فـي ذكرى محمد)
وفيها مكتبة عامرة أُسست 1394 هـ باسم مكتبة الشيخ الخلاني العامة تدار برعاية السيد محمد الحيدري.
قال حرز الدين (إنه لقب بالخلاني نسبة لبيعة الخل حيث كان يكتسب له تستراً بالكسب عن ضغط بعض المبغضين من أهل الخلاف كما كان الشيخ والده عثمان بن سعيد يبيع السمن حتى عرف بالسمان).
وكان الخلاني نائباً عن الإمام الهادي (عليه السَّلام) والعسكري (عليه السَّلام):
قال السيد الأصفهاني: (ومنها قبر الشيخ الثقة الجليل أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد، ولما مات أبوه عثمان المشار إليه قام ابنه أبو جعفر المنوه باسمه مقامه وناب في الأمور مثابه، وكانت مدة نيابته قريباً من خمسين سنة وتوفي في آخر جمادى الأولى سنة 305 أو سنة 304 هـ على الاختلاف المذكور في ص238 من كتاب (الغيبة) لشيخنا الطوسي، وفي تلك الصفحة من السطر الأخير، قال الشيخ الطوسي، قال أبو نصر هبة الله: إن قبر أبي جعفر محمد بن عثمان جد والدته في شارع باب الكوفة من الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه وهو في وسط الصحراء قدس سره، انتهى.
أقول: ويعرف بالشيخ الخلاني عند أهل بغداد وقبره كما وصف وهو واقع في أواخر بغداد الشرقية على طريق سلمان (ره) وأطرافه لم تكن معمورة قبلاً، وبعد الاحتلال صارت معمورة قليلاً، وتأخذ في الزيادة يوماً فيوماً عمارة أطرافه وله صحن كبير زرته مراراً عديدة، تقيم الشيعة في صحنه العزاء للحسين (عليه السَّلام) في أيام عاشوراء، وقيل في وجه تسمية الخلاني وجوهاً أوجههما ما سمعته عن بعضها الأجلاء أنه قال: لما حضرته الوفاة أرادوا نقله عند أبيه ودفنه هناك، فقال خلوني في هذا المكان، فاشتهر بالخلاني أو أن الحجّة (عليه السَّلام) خلاه بعد أبيه نائباً عنه، فقال لشيعته (عليه السَّلام)، خلاني أي الحجة وسمعنا غير ذلك والله العالم، وفي ص227 من (فلك النجاة) ومحمد بن عثمان المعروف بالخلاني في الجانب الشرقي من بغداد، أقول: يعني من الجانب الشرقي من شرق بغداد كما لا يخفى بعد ملاحظة ما ذكرناه، انتهى. والمحلة التي دفن فيها تعرف اليوم بباب الشيخ.
الثالث - الحسين بن روح النوبختي المتوفى /326 هـ:
في (المراقد 1/249): (مرقده: ببغداد جانب الرصافة مشهور معروف مشيد عامر عليه قبة صغيرة وفوق دكة قبره شباك مجلل يزدحم عليه الزائرون المتعبدون، إلى جنب قبره جنوباً مسجد صغير تقام فيه الصَّلاة جماعة من بعض أئمة علماء الشيعة الإمامية).
... يعرف موضع قبره في سوق الشورجة التجاري ببغداد في زقاق غير نافذ ويعد مرقده اليوم من المراكز الشيعية في بغداد.
وكان النوبختي من أوثق الناس وأعظمهم وأدهاهم وأعرفهم بالأمور مبجلاً عند الخاصة والعامة وكانت العامة تعظمه وترى فيه الصدق والمعروف ولين الجانب وعدم المعاندة.
وكانت سفارته بعد وفاة الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري المعروف بالشيخ الخلاني المتوفى ببغداد سنة 305 هـ. بوصية منه لوجوه الشيعة قائلاً: (هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عليه السَّلام)، والوكيل والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم وعولوا عليه في مهماتكم فبذلك أُمرت وقد بلغت).
قال السيد الأصفهاني: (ومنها قبر الشيخ الجليل الثقة الأمين الحسين بن روح بن بحر بن النوبخت من بني نوبخت وهم طائفة جليلة من الإمامية وأغلبهم كانوا من متكلمي الشيعة وفضلائهم وكانوا من كبار بيوتات العلم في بغداد.
وقال شيخنا الطوسي (ره) في ص252. من كتابه (الغيبة): وأخبرني الحسين بن إبراهيم عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري (ره) أن قبر أبي القاسم الحسين بن روح في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى درب الآخر وإلى قنطرة الشوك (رضي الله عنه)، قال وقال لي أبو نصر: مات أبو القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) في شعبان ست وعشرين وثلاثمائة، وقد رويت عنه أخبار كثيرة، انتهى ما أردنا نقله.
وفي (فلك النجاة): والحسين بن روح في داره في سوق العطارين في الجانب الشرقي أقول: وتلك الدار حتى اليوم موجودة وفيها قبر الحسين بن روح (رض) واقع في محل منخفض عن الدار مظلم والدار واقعة في الطريق المرفوعة الكائنة على يمين من يدخل في وسط سوق العطارين من الجانب الشرقي، وهذه الأطراف كانت سابقاً معروفة بمحلة النوبختية وكانت فيها دورهم فبمرور الأيام والأزمنة خربت وتغيرت حتى صارت على هذه الحالة، ولم يبقَ سوى الدار المذكورة التي فيها الحسين بن روح المشار إليه ولا يخفى على من قرأ سير التواريخ والتراجم أن بغداد الشرقية لما بنيت صارت بعد برهة قليلة من الزمان مقر الخلفاء والعلماء من الفريقين ولا سيما من كانت له صحبة مع الخلفاء أو منصب فإن بني نوبخت كانوا وجهاء بغداد ورؤساؤها، انتهى كلامه.
الرابع - أبو الحسن علي بن محمد السمري المتوفى 15/شعبان/329.
في المراقد (مرقده ببغداد جانب الرصافة في سوق الهرج القديم قرب المستنصرية في الضفة اليسرى من نهر دجلة يقع قبره في حجرة بين السوق وبين المسجد المعروف بمسجد القبلانية وهو اليوم عامر عليه قبة يزوره المسلمون خصوصاً وفود الشيعة الإمامية فهو يعتبر من المراكز الشيعية في بغداد) انتهى. ولا يزال السوق يعرف بسوق الهرج اليوم.
قال السيد الأصفهاني: (ومنها قبر الشيخ الجليل الزاهد الثقة أبو الحسن علي بن محمد السمري، قام بأمر الحجة (عليه السَّلام) بعد مضي حسين بن روح لسبيله ولم يقم أحد من هؤلاء النواب بالنيابة إلا بنص عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر (عليه السَّلام) تدل على صدق مقالتهم وصحة نيابتهم، فلما حان رحيل أبي الحسن المشار إليه عن الدنيا وقرب أجله وانقطع عن الدنيا أمله قيل له: إلى من توصي فأخرج توقيعاً إليهم نسخته هكذا:
بسم الله الرحمن الرحيم: (يا علي بن محمد السمري، اسمع عظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ما جمع أمرك ولا توصي إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك منذ وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) وهذه النسخة رواها الشيخ في كتاب (الغيبة) عن الحسن بن أحمد، وعلى ما في البحار فيمن رآه (عليه السَّلام) بعد تلك الغيبة وأجاب عنه أصحابنا قدست أسرارهم بوجوه ذكرها النوري في ص285 من (جنة المأوى)، ولكن بعضها مرضى عندنا وما ذكره شيخنا المجلسي (ره) أقرب، قال (ره) في ج12 في ص142-4 من (البحار) بعد نقل الخبر عن (الاحتجاج) و(الكافي) بيان لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه (عليه السَّلام) إلى الشيعة على مثال السفراء، لئلا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه (عليه السَّلام) ويعلم، انتهى. هذا وقد توفي أبو الحسن السمري، المذكور في النصف من شعبان سنة 329 هـ كما في ص257 من كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي (ره) وأيضاً في الصفحة 258 من كتاب (الغيبة) المذكورة ما نصه:
(وأخبرني الحسين بن إبراهيم عن أبي العباس ابن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب، أن قبر أبي الحسن السمري (رض) من الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع باب المحول قريب من شاطئ نهر أبي عتاب وذكر أنه مات (رض) في سنة تسع وعشرين وثلاث مئة)، انتهى.
أقول: هذا الموضع معروف من سوق الهرج وعليه شباك من الخارج والقبر في المسجد مزار معروف، انتهى كلامه.